بلادي ..أرض النخيل المحترقة
حضارةٌ عريقة ٌ، وخيراتٌ وارفةٌ …قيمٌ وأصالةٌ وعلومْ .. هكذا وُلِدَت،
أنهارها لاتنفكُ عن جريانها ، وسنابلُ قمحها تهتز برشاقة… ونخيلها يعطي أُكلهُ طوال أعوام خلتْ ، وُلِدنا على حبها ، وشربنا من مياهها وتفيأنا ظلالها ولازالت قطع الطين عالقة في ملابسنا وتحت أظافرنا، فمن منا لايحب بلاده؟ وهي أمه وبيته وأشياؤه!! وفي ذلك قال رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم:(حب الوطن من الإيمان) والإيمان أعلى وأسمى قيمة يمكن أن يوصف بها الوطن .. فمن واجبنا الوفاء لهذه الأرض التي عشقتها قلوبنا حتى الثمالة ، إذ يقول احد الأدباء (لا حق لي في الحياة إذا نسيت الوفاء) فلا يكون الوفاء باغتيالها بالسفر أو التكاسل عن الدفاع عنها وإنما يكون على نقيض ذلك تماماً… يقول جبران خليل جبران في حب الوطن(لوكنت سنبلة قمح نابتة في ارض بلادي لكان الطفل الجائع يلتقطني ويزيل بحياتي يد القضاء عن نفسه) هكذا يضحي جبران بنفسه من اجل أبناء وطنه الذي ارتحل عنه كطائر شريد أتعبته رياح العواصف وبعثر ريشه الصقيع فحط رحاله في نيويورك التي ذاق فيها العذاب حتى نقل جثة هامدة إلى وطنه لبنان فدفن تحت أشجار الأرز الحزينة… أما نابليون فيقول في خيانة الوطن ( مثل الذي باع وطنه كمثل الذي يسرق من بيت أبيه ويطعم اللصوص ، فلا اللص يكافئه ولا أبوه يسامحه) وذاك شاعرنا الكبير نزار قباني يوصي من حوله وهو يحتضر في لندن بعد فراق وغربة طويلة إذ يقول: ( أعيدوني إلى دمشق ، فهي الرحم الذي أهداني الشعر والإبداع وأعطاني أبجدية الياسمين، هكذا يعود الطائر إلى عشه والطفل إلى صدر أمه) ولكن هل ترتسم البسمة على شفاه أطفال بلادي في أيامنا هذه؟؟؟ وهل تورق بساتينها الزاهية كما كانت ؟؟ وهل تضطجع النوارس على رمال شطآنها بلامبالاة؟؟؟آهٌ..وألف آهْ.. هيهات أن تعود .. آهٌ على أبناء بلادي الذين مزقت أجسادهم رماح الاحتلال .. آهٌ على الأطفال الذين تحطمت لعبهم تحت عجلات الدبابات واندثرت براءة أحلامهم تحت ركام المنازل.. أما هناك على ضفة دجلة، فتجثم فتاة شاحبة الوجه تدعى( بغداد ) تندب حظها العاثر وتنتظرمن يرقع أسمالها ويفك قيود معصميها ويعيد لها مفاتيح البهجة… كل شئ تحول إلى كتلة صخرية صماء ،إن الأرض التي تحمل العشب الأخضر على ظهرها تحولت إلى مزارع للقبور تتصدع لها مهج الثكالى ..وكل بسمة انقلبت إلى مأتم يرتفع فيه العويل والنواح .. بلادي تحولت إلى مقبرة يقام فيها عزاء متواصل ، بلادي فوضى وفساد وتخلف .. بلادي اغتالها الخائنون وسفكوا دماء أبنائها ويتموا أطفالها ورملوا نسائها وصادروا حريتهم التي كافحوا نعم الكفاح لنيلها والحرية اعز مايملكون فهي كما يصفها المنفلوطي ( الحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس ومن عاش محروماً منها فقد عاش في ظلام حالك) .. شكراً أيها الأعداء على مااقترفتم من جرائم ، شكراً على كل قطرة دم أرقتموها ، فنحن لا نقابل الشر بشر أعظم كما علمتنا الحضارة العريقة ، ولتعلموا أن أبناء بلادي لن يستمروا على فرقتهم التي سببتها أصابعكم وأفواهكم النتنة وإنما للحق رجال يحملون لواءه ويوحدون صفوف أبنائه قال تعالى( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) ، هكذا يدعونا ديننا للوحدة الوطنية وان نكون جسداً واحداً فاليد الواحدة لاتصفق ،فلنصنع من قصب الاهوار رماحا تفقأ عيون الحاقدين وأقلاماً تسجل التاريخ بحروف من ذهب ولكي نعيد لدجلة والفرات مياههما العذبة ولترتفع هامات النخيل كما كانت ولتشرق شمس الحرية المتشحة بأجنحة السحاب فيصدح صوت السياب ثانية في كل مسمع:
الشمس أجمل في بلادي من سواها
والظلام…
حتى الظلام هناك أجمل
فهو يحتضن العراق…