[size=24]قصه حياة رجل غير التاريخ
قدم امجاد نفتقدها
ضحى بنفسه من اجل مبادئه
صورة الأب غير طاغية على المشهد فهو طبيب ، ولد أرنستو تشي جيفارا عام 1928 من عائلة برجوازية أرجنتينية , ودرس الطب في جامعة
بلاده الأرجنتين وتخرج عام 1952 , ومارس مهنته بين فقراء المدن والفلاحين ووهب نفسه
لهم وكان صديقهم التاريخي , وطاف قبيل تخرجه من كلية الطب مع صديقه ألبرتو غراندو معظم دول أمريكا الجنوبية على الدراجة النارية , فزار إضافة لبلده الأرجنتين , التشيلي وبوليفيا وبيرووكولومبيا والإكوادور وبنما , وذلك بهدف التعرف على ظروف الناس وأحوالهم وأحوال أمريكاالجنوبية بشكل عام مستجيبا لرغبته بملاقاة الشعب والإختلاط به ومساعدة الفقراء والمرضى
وكان يدعو خلال جولته للإنتفاضة ضد اللاعدالة الإجتماعية والقهر السياسي , وكرس نفسه منذ ذلك الحين ثائرا أو محرضا على الثورة أو شريكا فيها حيثما أمكن ذلك , فسافر عام 1953 الى كولومبيا ليتعرف على الثورة التي كانت مشتعلة فيها وعلى أهداف هذه الثورة وأساليبها , ثم هاجرالى المكسيك وهي البلد الأمريكي اللاتيني الأكثر ديموقراطية والتي كانت ملجأ للثوار الأمريكان اللاتين من كل مكان
لكن الأم عُرفت بأنها مثقفة ونشطة وهي التي نفخت في الفتى من روحها الشغوفة بتاريخ الأرجنتين، بل وأمريكا اللاتينية كلها.. وربته على سِيَر المحررين العظام أو "آباء الوطن"، وعلى قصائد الشعر لا سيما الشعر الأسباني والأدب الفرنسي.
كان الفتى النحيل الذي لا يتعدى طوله 173 سم يمارس الرياضة بانتظام لمواجهة نوبات الربو المزمن التي كانت تنتابه منذ صغره. أما روحه فكانت لاذعة ساخرة من كل شيء حتى من نفسه، وقد أجمعت آراء من اقتربوا منه أنه كان يحمل داخله تناقصا عجيبا بين الجرأة والخجل، وكان دافئ الصوت عميقه، كما كان جذابا وعبثي المظهر كذلك.
اضطرت العائلة إلى ترك العاصمة والانتقال إلى مكان أكثر جفافا؛ لأجل صحة الفتى العليل، وفي أثناء ذلك كان اللقاء الأول بين أرنستو والفقر المدقع والوضع الاجتماعي المتدني في أمريكا اللاتينية.
جيفارا الطبيب
في مارس 1947 عادت الأسرة إلى العاصمة ليلتحق الفتى بكلية الطب، وعند نهاية المرحلة الأولى لدراسته حين كان في الحادية والعشرين من عمره قام بجولة طويلة استمرت حوالي 8 أشهر على الدراجة البخارية نحو شمال القارة مع صديق طبيب كان أكبر منه سنا وأقرب إلى السياسة.
ومن هنا بدأ استكشاف الواقع الاجتماعي للقارة، وبدأ وعيه يتفتح ويعرف أن في الحياة هموما أكثر من مرضه الذي كان الهاجس الأول لأسرته؛ فرأى حياة الجماعات الهندية، وعاين بنفسه النقص في الغذاء والقمع.. ومارس الطب مع عمال أحد المناجم وهو ما حدا بالبعض أن يصفه بأنه من الأطباء الحمر الأوروبيين في القرن 19 الذين انحازوا إلى المذاهب الاجتماعية الثورية بفعل خبرتهم في الأمراض التي تنهش الفقراء.
ليصبح شيوعياً
وفي عام 1953 بعد حصوله على إجازته الطبية قام برحلته الثانية وكانت إلى جواتيمالا، حيث ساند رئيسها الشاب الذي كان يقوم بمحاولات إصلاح أفشلتها تدخلات المخابرات الأمريكية، وقامت ثورة شعبية تندد بهذه التدخلات؛ ما أدى لمقتل 9 آلاف شخص، فآمن الطبيب المتطوع الذي يمارس هواياته الصغيرة: التصوير وصيد الفراشات، أن الشعوب المسلحة فقط هي القادرة على صنع مقدراتها واستحقاق الحياة الفضلى.
وفي عام 1955 قابل "هيلدا" المناضلة اليسارية من "بيرون" في منفاها في جواتيمالا، فتزوجها وأنجب منها طفلته الأولى، والعجيب أن هيلدا هي التي جعلته يقرأ للمرة الأولى بعض الكلاسيكيات الماركسية، إضافة إلى لينين وتروتسكي وماو.
جيفارا وكاسترو :
غادر "جيفارا" جواتيمالا إثر سقوط النظام الشعبي بها بفعل الضربات الاستعمارية التي دعمتها الولايات المتحدة، مصطحبا زوجته إلى المكسيك التي كانت آنذاك ملجأ جميع الثوار في أمريكا اللاتينية. وصادف ان قام فيدل كاسترو في نفس الفترة من عام 1953 بالهجوم على قلعة موناكو , وفشل هجومه وسجن وحوكم وألقى دفاعا في المحكمة هو بمثابة بيان سياسي أو حتى برنامج سياسي , مما أدى بأرنستو جيفارا لأن يعجب بكاسترو ومحاولاته الثورية , ويتشوق للتعرف اليه واللقاء به , وهذا ما تحقق عام 1955 بعد ان خرج كاسترو من السجن وهاجر الى المكسيك , وقويت العلاقة بين الرجلين وخططا معا لغزو كوبا وتحريرها من الدكتاتور باتيستا جهز الرجلان حملة من 82 ثائر أقلعوا الى كوبا على سفينة غرانما " ومن يومها سميّ ارنستوجيفارا بـ تشي - رفيق " , وما ان وصلوا شواطئها حتى كشف امرهم فاشتعلت معركة بينهم وبين جيش باتيستا , ولم يسلم منهم سوى عشرين ثائرا إستطاعوا الوصول الى جبال سيرامايستراالتي تضم أفقر فلاحي كوبا , وانطلقت ثورتهم من هناك , تمارس حرب العصابات لمدة سنتين الى ان دخل جيفارا العاصمة هافانا في اليوم الأول من عام 1959 قبل ان يدخلها كاسترو , وهرب باتيستا ونجحت الثورة الكوبية
كان قيام الانقلاب العسكري في كوبا في 10 مارس 1952 سبب تعارف جيفارا بفيدل كاسترو الذي يذكره في يومياته قائلا: "جاء فيدل كاسترو إلى المكسيك باحثا عن أرض حيادية من أجل تهيئة رجاله للعمل الحاسم".. وهكذا التقى الاثنان، وعلى حين كان كاسترو يؤمن أنه من المحررين، فإن جيفارا كان دوما يردد مقولته: "المحررون لا وجود لهم؛ فالشعوب وحدها هي التي تحرر نفسها". واتفق الاثنان على مبدأ "الكف عن التباكي، وبدء المقاومة المسلحة".
بعد الثورة :
وتزوج من زوجته الثانية "إليدا مارش"، وأنجب منها أربعة أبناء بعد أن طلّق زوجته الأولى.
وقتها كان "تشي جيفارا" قد وصل إلى أعلى رتبة عسكرية (قائد)، ثم تولى بعد استقرار الحكومة الثورية الجديدة -وعلى رأسها فيدل كاسترو- مناصب:
- سفير منتدب إلى الهيئات الدولية الكبرى.
- منظم الميليشيا.
- رئيس البنك المركزي.
- مسئول التخطيط.
- وزير الصناعة.
ومن مواقعه تلك قام جيفارا بالتصدي بكل قوة لتدخلات الولايات المتحدة؛ فقرر تأميم جميع مصالح الدولة بالاتفاق مع كاسترو؛ فشددت الولايات المتحدة الحصار، وهو ما جعل كوبا تتجه تدريجيا نحو الاتحاد السوفيتي وقتها. كما أعلن عن مساندته حركات التحرير في كل من: تشيلي، وفيتنام، والجزائر.
ثورات جيفارا
وعلى الرغم من العلاقة العميقة القوية بين جيفارا وكاسترو، فإن اختلافا في وجهتي نظريهما حدث بعد فترة؛ فقد كان كاسترو منحازا بشدة إلى الاتحاد السوفيتي، وكان يهاجم باقي الدول الاشتراكية. وبعد نجاح الثورة عين جيفارا سفيرا متجولا للثورة الكوبية , وزار العديد من البلدان الغير منحازة
والتقى بقيادتها مثل عبد الناصر في مصر ونهرو في الهند وتيتو في يوغوسلافيا وسوكارنو في اندونيسيا , كما وزار ايطاليا واليابان وباكستان وغيرها
عين جيفارا رئيسا للمعهد الوطني للأبحاث الزراعية ثم عين وزيرا ورئيسا للمصرف المركزي
عام 1961 وصار الرجل الثاني بعد كاسترو , وحاول خلال السنوات الأولى لنجاح الثورة تصنيع كوبا
إقتنع هو وكاسترو بضرورة انحياز الثورة الكوبية الى اليسار العالمي وعقدا تحالفا مع الإتحاد السوفياتي
ثم تمتن هذا التحالف أثر أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا , وبعدها رأى جيفارا امكانية نجاح الثورة
في بلدان العالم الثالث والبلدان المستعمرة وشارك في المؤتمر الآسيوي الأفريقي الذي عقد في الجزائر
عام 1965 , والتقى قادة الثورة الجزائرية وحرض البلدان الآسيوية والأفريقية على الثورة , ومنذ ذلك الحين تعمق خلافه مع السياسة السوفييتية التي كان يراها سياسة تسوية ومساومة مع الإمبريالية , وطرح شعاره الشهير " لا حياة خارج الثورة - ولتوجد فيتنام ثانية وثالثة وأكثر " وكان يكرر هذا في كل مكان
ينبع