غزة-دنيا الوطن
لعل الأعمال الجريئة التي تحدثت عن القتل والنهب والسلب ودور المحتل
والمليشيات المختلفة في تخريب بلده العراق كانت سببا في مقتل المخرج
العراقي عدنان ابراهيم مساء يوم السبت الماضي حيث تلقى المخرج المغدور عدة
طعنات في ظهره أردته قتيلا عندما كان بالقرب من باب مكتبه في دمشق، فيما
فر الجاني المجهول من دون معرفة من هو حتى لحظة كتابة هذه السطور. وقال
بعض أصدقاء المخرج الراحل لـ «الشرق الأوسط» بأنهم يشكون بأن القاتل قد
يكون عراقيا حيث تلقى المخرج الراحل مؤخرا تهديدات كثيرة عبر اتصالات
ورسائل هاتفية كانت ترده من العراق مفادها بأنه مهدد بالقتل ما لم يكف عن
اخراج الأعمال العراقية التي اعتبرتها جهات عراقية مجهولة مسيئة لها، وكان
المخرج الراحل حسب بعض المقربين اليه ينوي تقديم شكوى للسلطات السورية
لحمايته من خطر محتمل قد يحصل له من جهة مجهولة ولكنه تباطأ في تقديم طلبه
وكانت يد القدر أقرب اليه. من جهة أخرى قال أحد المقربين اليه بأنه لم يكن
لديه أي مشاكل مالية مع أحد ولم يسئ لأي شخص في عمله الفني بل كان متسامحا
مع الجميع ومحبا لهم وجاء هذا ردا على ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من
كون القاتل كان يطالبه بمبلغ من المال تأخر المخرج المغدور في تسديده له.
فهل كانت أعمال المخرج العراقي الراحل عدنان ابراهيم هي التي تسببت في
مقتله، حيث انه ألزم نفسه منذ الغزو الأمريكي على العراق بطرح كل ما من
شأنه خدمة وطنه وشعبه المهجر والجريح وخلال عامين ماضيين قدم المخرج
الراحل عدة اعمال مهمة عرضت على عدة قنوات عراقية قيل انها أثارت حفيظة
شرائح سياسية كثيرة في العراق بدءاً من مسلسل (المحافظة 18) الذي أحدث
بلبلة كبيرة عند عرضه وانتهاء بأعماله الأخرى التي أخرجها أو أشرف على
انتاجها مثل ( المواطن ج) و( فوبيا بغداد) و(قميص من حلق الذيب)
و(ميليشيات) وكلها أعمال وصفت بالجرأة الشديدة ومحاربة الفساد والمحتل في
العراق. وذات يوم قال المخرج الراحل لي في جلسة جمعتنا في مكتبه الواقع في
حي الشهبنرد بدمشق بأنه يعتقد بأن الدراما العراقية قد تجددت وتطورت في
سوريا فهي استفادت من التجربة الدرامية السورية الرائدة عربياً. ويشير
ابراهيم إلى مسلسل (المواطن ج) الذي يتحدث عن الحكومة العراقية الحالية
التي أبطلت العمل بالجوازات العراقية السابقة؛ حيث لا يحق للمواطن العراقي
مغادرة العراق ما لم يحمل جوازاً فئة ج ولا تمنح فيزا لأي مواطن عراقي لا
يحمل هذا الجواز، والمشكلة أنه في نفس الوقت باتت الدولة العراقية عاجزة
عن إصدار هذا النوع من الجوازات أيضاً وبالتالي فالمواطن داخل العراق كما
هو معروف مهدد بالقتل، وهو في الخارج لا يمتلك الجواز ولا يمكنه استصداره
من السفارات العراقية في الخارج، فهو لا بد أن يعود إلى العراق، والعودة
محفوفة بالمخاطر والتهديدات بالقتل والاختطاف. ويعتقد عدنان إبراهيم أن في
تصرفات الحكومة ما من شأنه تحطيم نفسية المواطن العراقي وتحويله إلى حالة
من الضياع والتيه في بلاد الاغتراب. كما تحدث عن أعماله التي حوت قصصا
واقعية رُصدت في سوريا والعالم العربي لمآسي العراقيين ولأشخاص عراقيين هم
ضحية سلطة لا تأبه بهم، فهم أضحوا فقراء لا يملكون المال ولا يملكون
الإثبات الرسمي وليس لهم أي حقوق، بل ان وضع اللاجئين الآخرين بات أفضل
منهم بكثير. وتحدثت أعماله أيضا عن قصص لنساء عراقيات بتن يمارسن الدعارة
في دمشق وعواصم عربية أخرى وبات يؤم منازلهن العديد من الرجال من جنسيات
عربية مختلفة حيث يتم هناك تعاطي المخدرات ولعب القمار وممارسة الدعارة.
كما تبرز في اعمال المخرج الراحل قصص العراقيين القادمين من دول المهجر
والذين يضطر بعضهم للذهاب بشاحنات لنقل البضائع إلى العراق، فيصطدمون
بواقع مرير وبالتغييرات التي طرأت على نفسية المواطن العراقي والطائفية
التي أصبحت رمزاً من رموز العلاقات العراقية العراقية، مما يضطرهم إلى
استصدار هويتين مزورتين إحداهما تحمل اسم عمر لاستخدامها في المناطق
السنية والثانية تحمل اسم حسين لاستخدامها في المنطقة الشيعية، ولعدم
قدرتهم على التعايش مع هذا الواقع الجديد للشخصية العراقية يلجأون
للسفارات الغربية للاستعانة بها لتسفيرهم خارج العراق من جديد. كما تصف
اعماله شخصيات العديد من المواطنين العراقيين المقيمين في دول الجوار منذ
سنوات عدة بانتظار الحصول على موافقة اللجوء إلى دول غربية وبعد انتظار
طويل تأتي الموافقة ولكن بشرط أن يحمل نسخة من الجواز G فيضطر للذهاب إلى
العراق للحصول على هذه النسخة من الجواز فيقتل هناك وتضيع أحلامه. وقال
ذات مرة بأن عمله (المواطن ج) يتطرق بشكل مباشر إلى سلطة المرجعيات
الدينية السنية والشيعية في العراق ودورها في تأجيج الصراع الطائفي الأعمى
هناك بين أبناء الطائفتين» ـ على حد تعبيره. كما تحدث في مسلسله (فوبيا
بغداد والمليشيات) عن خطر هؤلاء على العراق والخوف الموجود في العراق
والذي لا شيء يماثله في العالم في ظل ظروف يسيطر عليها الاحتلال
والمليشيات المنفلتة المرعبة للناس جميعا هناك.
أما مسلسل (الملف) الذي ألفه عباس الحربي والذي قام بإخراجه علي أبو سيف
وأشرف عليه عدنان ابراهيم فيتحدث عن المواطن العراقي الذي يشكل دائماً
النقطة الأضعف في الواقع العراقي المأساوي، كما أنه المتهم والمظلوم
دائماً في بلده وفي خارج بلده، فمعاناته مخيفة ومريرة منذ سنوات طويلة.
على الصعيد العملي عمل المخرج الراحل في السعودية لعدة سنوات في شركة أرا
للإنتاج الفني وفيها أخرج عدة أعمال تلفزيونية منها مرايا ياسر العظمة
وبرنامج سعودي وبعض الأغاني الوطنية للفنان محمد عبده، كما عمل في بيروت
مديرا لمكتب قناة إم بي سي هناك لعدة سنوات وبعدها انتقل للإقامة في سوريا
حيث قام هناك بإخراج عدة اعمال تلفزيونية منها (ليل السرار / رجاهة) وتزوج
المخرج الراحل أربع مرات احداها من الفنانة السورية مها المصري وله منها (
طيف وريم) والأخرى من عراقية والثالثة من النجمة نورمان أسعد والرابعة من
السورية مايا التخين والتي أنجبت له غالية وما زالت طفلة في شهرها الثالث.